<- Back

كيف تربط الصور بين السجناء وعائلاتهم: شريان الحياة للأمل والصمود

جنان عبده - فلسطين المحتلة

تحمل الصور الفوتوغرافية أهمية عميقة للسجناء وعائلاتهم، فهي بمثابة جسر بين الحياة المنفصلة. فبينما تقيد سلطات السجن اللقاءات الجسدية والعناق والقبلات، فإن الصور والقصص التي تحملها توفر اتصالاً حيوياً. بالنسبة لأولئك الذين تمنعهم مصلحة السجون من الزيارة، تصبح هذه الصور شريان الحياة، مما يسمح للسجناء بمتابعة المناسبات العائلية مثل حفلات الزفاف والتخرج والاحتفالات.

دور الصور في زيارات السجون: التنقل بين اللوائح الصارمة وأهمية الصور الشخصية

في سياق التصوير في السجن، تسمح مصلحة السجون بتبادل الصور العائلية التي تعد بمثابة مساحة لقاء مهمة بين النزلاء وأحبائهم. يُسمح للعائلات بإحضار ما يصل إلى خمس صور أثناء الزيارة. يتم تسليم هذه الصور إلى مأمور السجن لفحصها قبل إعطائها للسجين. ومع ذلك، تحكم لوائح السجن الصارمة الخاصة بالصور أنواع الصور المسموح بها.

يجب أن تظهر الصور أفراد العائلة فقط. إذا كانت الصور تُظهر سجناء سابقين أو شخصيات سياسية، مثل تلك التي تحمل العلم الفلسطيني أو السوري (بالنسبة للسجناء من هضبة الجولان)، فهي محظورة. حتى الصور ذات المناظر الطبيعية الخلابة، مثل الجبال أو البحار أو الأسواق، غير مسموح بها بموجب هذه اللوائح.

بالنسبة للسجناء، هذه الصور هي أكثر بكثير من مجرد صور، فهي وسيلة للحفاظ على التواصل مع العالم الخارجي. قد لا يتعرف السجين المسجون منذ سنوات على أبناء الإخوة أو بنات الإخوة أو غيرهم من الأقارب الذين كبروا في غيابهم. تصبح الصور ضرورية للحفاظ على هذه الروابط العائلية من خلال التصوير الفوتوغرافي.

سجين مع والدته أثناء الزيارة

لوائح صور السجناء: دور صور السجناء في الروابط الأسرية والممارسات التاريخية

بموجب لوائح التصوير في السجن (البند 8، 3 فبراير 2000، تم تحديثه في 15 نوفمبر 2020)، يجوز للسجين طلب التقاط صورة مع أحد أفراد أسرته، خاصة في حالات المرض الخطير. إذا وافق الأمن على ذلك، يُسمح للسجين بارتداء ملابس مدنية والوقوف أمام حائط أبيض عادي لالتقاط الصورة. يلتقط السجان الصورة، ويتم توفير نسخة واحدة فقط مقابل رسوم. وتبقى هذه الصورة داخل السجن.

في الماضي، كان يُسمح للسجناء الذين يزيد عمر والديهم عن 65 عاماً بالتقاط صور سنوية معهم. وكان يتم التقاط هذه الصور إما بواسطة السجانين أو بواسطة مصور خارجي معتمد من إدارة السجن.

يُسمح للسجناء مرة واحدة في السنة بالتقاط صور شخصية داخل السجن. ثم يتم إرسال هذه الصور التي يلتقطها السجانين إلى عائلاتهم. في هذه المناسبات، يحرص السجناء على إظهار أنفسهم في أفضل صورة. على الرغم من أن رائحة العطر أو لمسة الأحبة لا يمكن أن تمر من خلال الصورة، إلا أن هذه الصور تعكس معنويات السجين الذي يعلم أن عائلته ستراه.

سجين مع والده


لقطات من التواصل: الأهمية العاطفية والحلول الإبداعية في التصوير الفوتوغرافي للسجناء

تحمل هذه الصور قيمة عاطفية هائلة بالنسبة للعائلات، خاصةً تلك التي لم ترَ أحبائها منذ سنوات. فهي تقدم لمحة عن كيفية تغير السجين بمرور الوقت، مما يوفر الراحة لأولئك الذين قد لا يتذكرون حتى شكل أقاربهم. وتوفر هذه الروابط العائلية من خلال التصوير الفوتوغرافي رابطاً مرئياً ووسيلة للعائلات للاحتفاظ بجزء من أحبائهم.

أذكر أنني التقطت صورًا لحيفا، المدينة العزيزة علينا، والتقطت صورًا لجمالها الطبيعي وجبالها وبحرها وحي وادي النسناس. عندما أحضرت هذه الصور إلى السجن، أبلغني السجان أن صور الطبيعة غير مسموح بها - فقط صور الناس هي المسموح بها. ردًا على ذلك، قررت أن أجرب. قبل زيارتي التالية، قمتُ بتعديل صورة جواز سفري مع صورة لبحر حيفا وجبالها باستخدام برنامج أساسي. لدهشتي، تم قبول الصور المعدلة بالفوتوشوب من قبل السجانين، مما يمثل انتصارًا صغيرًا في الحفاظ على جزء من العالم الخارجي.

تحمل الصور قيمة لا يمكن تعويضها بالنسبة للسجناء. فبالنسبة للبعض، تصبح هذه الصور هي الصلة الوحيدة التي تربطهم بعائلاتهم. خذ على سبيل المثال أم كريم يونس، التي تمسكت لمدة 40 عامًا بصورة ابنها. كانت تقبل الصورة وتحتضنها يوميًا لأنها كانت صلتها الوحيدة به. ومن المؤسف أنها توفيت قبل أشهر فقط من إطلاق سراح ابنها، ولم تتح لها الفرصة لاحتضانه شخصيًا.

أم تقبّل صورة ابنها الغائب


الحفاظ على الوجود: دور الصور الفوتوغرافية في البيوت الفلسطينية والروابط الأسرية

بالنسبة لعائلات مثل أم ناصر أبو حميد، وهي أم لأسرى وشهداء على حد سواء، فإن الصور جزء لا يتجزأ من المنزل. فصور أبنائها المبعثرة في مختلف السجون معروضة بشكل بارز في منزلها، وهي شهادة على غيابهم وحضورهم في آن واحد. تضع العديد من العائلات الفلسطينية صور أحبائها الأسرى في صور المناسبات العائلية، لتؤكد بصريًا أنه على الرغم من غيابهم الجسدي إلا أنهم لا يزالون جزءًا من المناسبة.

تعمل الصور في المنازل الفلسطينية كرموز للغياب والحضور في آن واحد. فهي تعمل على الحفاظ على رابط مرئي للأحباء غير الموجودين جسديًا. يتم عرض هذه الصور بشكل بارز، ودمجها في الحياة اليومية لأفراد العائلة.

تضع العديد من العائلات الفلسطينية صور أحبائهم المسجونين في صور المناسبات العائلية. تضمن هذه الممارسة بصريًا أنهم، على الرغم من غيابهم الجسدي، لا يزالون جزءًا من المناسبة. تساعد هذه الصور على تعزيز التواصل والحضور المستمر لأحبائهم المفقودين.

صورة أم ناصر مع أبنائها


النور في الظلام: قوة تصوير السجينات كرمز للصمود والمقاومة

وكما يشرح المصور الفلسطيني محمد بدارنة، فإن صور الأسرى هي أكثر من مجرد تذكارات شخصية، فهي رموز جماعية للصمود. تلتقط هذه الصور اللحظات الإنسانية التي لا يمكن للسجن أن يمحوها السجن، وتقدم شهادة بصرية على قوة الأسرى وتحديهم.

يختلف التصوير الفوتوغرافي للسجون اختلافًا كبيرًا عن "التصوير الجنائي" التقليدي المرتبط بتجريد السجناء من إنسانيتهم. فبدلاً من تصوير السجناء على أنهم مجرد أرقام أو مجرمين، تمنح هذه الصور السجناء صوتاً، وتسمح لهم بتقديم أنفسهم كما يحلو لهم. في اللحظة التي يقفون فيها أمام الكاميرا، يتحدون القيود التي يفرضها محتجزوهم، محولين فعل التصوير إلى تمرد خفي.

في السياق الفلسطيني، يلعب التصوير الفوتوغرافي في السجون دورًا حاسمًا في توثيق ليس فقط حياة الأفراد، بل التجربة الفلسطينية الجماعية. فمنذ نكبة عام 1948 وحتى الوقت الحاضر، كانت الصور الفوتوغرافية أداة حاسمة في النضال المستمر ضد الاحتلال. قد يكون الأسرى خلف القضبان، ولكن من خلال عدسة الكاميرا، يظل الأسرى حاضرين في حياة أحبائهم، متحدين العزلة المفروضة عليهم.

في عالم تكون فيه اللمسة الجسدية والتفاعلات المباشرة محدودة، تبرز الصور الفوتوغرافية كرموز قوية للمرونة والأمل. فهي تتجاوز عوائق السجن، وتسمح للسجناء وعائلاتهم بالحفاظ على تواصل عميق. عندما تفكر في دور هذه الصور، فكّر في كيفية تحويل فعل التقاط اللحظات ومشاركتها ليس فقط للتجارب الشخصية بل للروايات الجماعية. في النهاية، الصور ليست مجرد سجلات مرئية بل هي تذكير بالروح الإنسانية الدائمة التي تستمر رغم القيود المفروضة علينا.

صورة سجين

* جميع الصور في هذا المقال مقدمة من الكاتب/ة.

عن الكاتب

جنان عبده - فلسطين المحتلة

محامية وناشطة حقوقية نسوية، تركز بشكل خاص على حقوق الإنسان وحقوق السجناء. درست القانون، وحصلت على درجتي البكالوريوس والماجستير خلال سنوات سجن زوجها. يدور عملها وتخصصها حول الانتهاكات والتعذيب أثناء الاحتجاز والاستجواب والسجن. ساهمت في تأسيس وإدارة العديد من المنظمات المدنية وقدمت إسهامات بحثية. وهي مؤلفة كتاب "المنظمات النسائية والنسوية الفلسطينية في مناطق 1948".