تطوّر التصوير الفوتوغرافي: من الاستوديوهات القديمة التي تبعث على الحنين إلى الاتجاهات الرقمية الحديثة

في لحظات الحنين إلى الماضي، غالبًا ما نلجأ إلى الصور الفوتوغرافية المطبوعة لنستعيد ذكرياتنا العزيزة من زمن ازدهرت فيه استوديوهات التصوير الفوتوغرافي التقليدية. كان هذا قبل العصر الرقمي بوقت طويل، حيث أصبحت الهواتف المحمولة حارسة ذكرياتنا.
لمحة عن الماضي: صعود وتراجع استوديوهات التصوير الفوتوغرافي التقليدية في المجتمعات الفلسطينية
كانت استوديوهات التصوير الفوتوغرافي ذات يوم بمثابة أعمدة أساسية في المجتمعات، وهي أماكن يوثق فيها الناس أحداث الحياة المهمة. وقد أدى الانتقال من التصوير الفوتوغرافي التقليدي إلى الأشكال الرقمية إلى تغيير هذا المشهد بشكل جذري، مما ترك فجوة يشعر بها المصورون القدامى بعمق.
قبل خمس سنوات، قررت أن أستعيد تجربة جلسة تصوير قديمة في استوديو العم غسان. وهو مصور معروف في مخيم جباليا، حيث أعيش. ومع ذلك، سرعان ما أدركت أن الصور المطبوعة أصبحت بالية في عالم تهيمن عليه كاميرات الهواتف الذكية والذكريات الرقمية الفورية.
يعمل العم غسان مصورًا فوتوغرافيًا منذ أكثر من 34 عامًا، حيث التقط صورًا للمناسبات الاجتماعية واللحظات الوطنية والحياة اليومية في المخيم، خاصة في الثمانينيات والتسعينيات. ألبوماته مليئة بالذكريات. إلا أن عمله أخذ منحى خطيرًا خلال انتفاضة 1987، حيث أصبح التصوير الفوتوغرافي أداة لتوثيق الصراع المتصاعد بين الشباب الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي. أدى ذلك إلى ملاحقة غسان وضربه وحتى اعتقاله.


الحفاظ على الإرث: السحر الخالد لاستوديوهات التصوير الفوتوغرافي القديمة في غزة
استوديوهات التصوير الفوتوغرافي القديمة ليست مجرد أعمال، بل هي كبسولات زمنية. تحمل هذه المساحات ثقل التاريخ، فهي مليئة بأدوات وذكريات حقبة ماضية. وفي بعض الحالات، تكون هي كل ما تبقى من صناعة كانت مزدهرة في الماضي.
أثناء تجوالي في أحياء غزة القديمة، صادفتُ استوديو كوداك الذي يملكه إبراهيم حندوكة، وهو مصور فوتوغرافي يتمتع بخبرة تزيد عن 40 عاماً. وبينما يركز عمله الآن بشكل أساسي على صور جوازات السفر والهوية، تمكن إبراهيم من الحفاظ على سحر التصوير الفوتوغرافي القديم. يمتلئ الاستوديو الخاص به بإكسسوارات الحنين إلى الماضي مثل المرايا القديمة وألعاب الأطفال والخلفيات الطبيعية. تعكس ألبومات الصور المغطاة بالغبار والكاميرات القديمة زمناً كان التصوير الفوتوغرافي فيه تجربة أكثر حميمية وعاطفية.

الثقل العاطفي للتصوير الفوتوغرافي: التقاط الحيوات والذكريات المجمدة في الزمن
إن التصوير الفوتوغرافي هو أكثر من مجرد التقاط صورة؛ فهو يتعلق بتجميد لحظة في الزمن، وجعلها خالدة. يحمل المصورون القدامى عبئًا عاطفيًا، مع العلم أن الوجوه التي التقطوها قد لا تكون موجودة خارج هذه المطبوعات، ومع ذلك فهي تعيش في أعمالهم.
على الرغم من جمال وفن التصوير الفوتوغرافي، إلا أن إبراهيم غالبًا ما يتأمل في هشاشة الحياة التي التقطها بعدسته. فقد وثّق حياة أفراد أصبحوا فيما بعد ضحايا للعنف، ولم يعد وجودهم محفوظاً إلا في الصور الفوتوغرافية. يجلب التحول من الواقع الحي إلى الذاكرة المغلفة في الصور إحساساً عميقاً بالحزن.

من الأفلام إلى الرقمية: تطور التصوير الفوتوغرافي في عصر وسائل التواصل الاجتماعي والبحث عن التواصل في الوقت الحاضر
مع التقدم السريع للتكنولوجيا، تطور التصوير الفوتوغرافي من حرفة يدوية دقيقة إلى عملية رقمية فورية. وقد أثر هذا التحول ليس فقط على المهنة ولكن أيضًا على الطريقة التي ندرك بها الصور ونتفاعل معها.
يشارك المصور محمود أبو حمدة رحلته في التصوير الفوتوغرافي الحديث. قبل ثلاثة عشر عامًا، التقط صورة بسيطة بهاتف نوكيا N73 في حديقة جده. وهو يتذكر بوضوح إثارة نقل الصورة إلى جهاز الكمبيوتر الخاص به ومشاهدتها على شاشة أكبر. ولم يكن يعلم أن تلك اللحظة ستلهمه لاستكشاف عالم الكاميرات الرقمية.
أحدثت وسائل التواصل الاجتماعي ثورة في الطريقة التي نتعامل بها مع التصوير الفوتوغرافي. فما كان في السابق حرفة تتطلب المهارة والصبر والمعدات أصبح هواية واسعة الانتشار في متناول أي شخص لديه هاتف ذكي. وقد أدى هذا التحول إلى فتح سبل جديدة للإبداع والتواصل، كما أحدثت منصات التواصل الاجتماعي تحولاً في التصوير الفوتوغرافي، حيث وفرت للمستخدمين طريقة سهلة لمشاركة أفضل لحظاتهم وتلقي التعليقات الفورية. يعزز هذا الفضاء الرقمي الإبداع والتواصل، مما يسمح للناس بعرض صورهم الفوتوغرافية على جمهور عالمي.
في حين أن التكنولوجيا جعلت التصوير الفوتوغرافي أكثر سهولة، إلا أنها أدت أيضًا إلى ثقافة التوثيق المستمر. قد تأتي الرغبة في التقاط كل لحظة في بعض الأحيان على حساب تجربة الحاضر بشكل كامل.
إن الجانب النفسي لالتقاط الصور المستمر أمر مهم. يمكن أن يؤدي التركيز على التقاط الصور والاعتماد عليها لتخزين الذكريات إلى الانتقاص من اللحظة الحالية. فالصور، التي كانت في السابق تذكيراً بسيطاً بالتجارب الماضية، أصبحت الآن في بعض الأحيان بمثابة أدوات للإشباع الفوري. هذا التحول يمكن أن يقلل من العمق العاطفي والاتصال الذي يأتي من الانغماس الكامل في تجاربنا في الوقت الحقيقي.
يُعد تطور التصوير الفوتوغرافي بمثابة تذكير بما وصلنا إليه، ولكنه يدعو أيضًا إلى التفكير فيما تركناه وراءنا. يقدم التصوير الفوتوغرافي التقليدي، بكل عمقه وثرائه العاطفي، دروساً لا ينبغي أن تضيع في العصر الرقمي السريع. يمكن أن يضمن احتضان الماضي والمستقبل على حد سواء أن يظل الجوهر الحقيقي للتصوير الفوتوغرافي - التقاط روح اللحظة - سليماً.


* جميع الصور في هذا المقال مقدمة من الكاتب/ة.
عن الكاتب
دعاء شاهين - غزة
صحافية فلسطينية من قطاع غزة، مهتمة بتغطية كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني بشكل عام، والقضايا الإنسانية والاجتماعية وقضايا المرأة بشكل خاص.